نتناول في هذه الورقة اختصاصات المحكمة الأتحادية حول المنازعات الناشئة عن تطبيق القوانين الاتحادية، والمنازعات الحاصلة بين مستويات الحكم الاتحادي وحل التنازع القضائي.
أولا: المنازعات الناشئة عن تطبيق القوانين الاتحادية:
قرر دستور 2005 اختصاصاً واسعاً للمحكمة وهو الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية(المادة93/ثالثا)، وأكد قانون المحكمة رقم 30 لسنة2005المعدل على هذا الاختصاص (المادة 4/ثالثا).
أن الأصل العام في التقاضي أن يتحدد نطاق الدعوى بناءً على طلبات ودفوع الخصوم في الدعوى، فالقاضي لا يستطيع الخروج في حكمه عن تلك الطلبات والدفوع، إلا أنه يثبت إستثناءً من الأصل العام للقاضي الدستوري حق التصدي من تلقاء نفسه للنظر في المسائل الدستورية، كون مسألة دستورية النصوص القانونية تعتبر من النظام العام، فيتقرر له هذا الحق في بعض الأحيان بناءً على نصاً قانوني أو يثبت له استناداً على السلطة التقديرية الممنوحة له كنتيجة طبيعية للرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، وللتصدي أصلاً ثابتاً بُني عليه حتى تكون وأُخرج للعلن، وبهذا يكون له أصلاً فلسفياً وقانونياً من خلال أرجاعه الى الولاية الأصلية للقضاء الدستوري، وسوف نبين هذا الأصل وفق الآتي:
بداية لا شك أن تجربة العراق في مجال القضاء الدستوري لم تقتصر فقط على المحكمة الاتحادية العليا, وإنما كانت له تجارب سابقة في هذا المجال خصوصا في القانون الأساسي لعام 1925 وكذلك دستور عام 1968 ,وهذا يدل على الاهتمام الكبير الذي أعطاه المشرع الدستوري العراقي لهذا القضاء في تلك الفترات, وعلى ذلك فإن المحكمة الاتحادية العليا في العراق تعد تجربة ذات آثر كبير في مجال تطوير القضاء الدستوري بعد السبات الذي عانى منه هذا القضاء في الفترات السابقة في العراق خصوصا ما قبل عام 2003,علما ان تكوين هذا القضاء في العراق قد اكتمل بشكل أساسي خصوصا بعد صدور القانون رقم 45 لسنة 2017
قد يمتنع مجلس النواب عن تشريع قانون ينظم حالة نص عليها الدستور ويؤدي ذلك لايجاد حالة من الفراغ التشريعي لا تتماشى مع ضرورة ممارسة اختصاصه المبين في الدستور وهو تشريع القوانين العادية اللازمة.
والتحدي الذي يواجه المحكمة الاتحادية العليا يكمن في فرض رقابته على ما أمتنع المشرع عن تنظيمه والوسائل المتاحة لحل هذه المشكلة فيما لو عرضت عليه ، وتزداد المشكلة أتساعاً حين لا تملك المحكمة اعلاه نصاً للرقابة على هذا الامتناع وجنوحها أما للاجتهاد أو الأحجام عن التدخل في عمل السلطة التشريعية ، لذلك أرتأينا تناول هذا الموضوع في شقين الاول يبين محتوى الامتناع التشريعي ، والثاني لبيان لتوجهات المحاكم الدستورية في معالجة ذلك الامتناع وعلى النحو الآتي
من استقراء دستور جمهورية العراق لسنة 2005 وقانون إدارة الدولة للمرحلة الإنتقالية لسنة 2004 (الملغى) يلاحظ انهما خلا من النص على حقوق وواجبات خاصة برئيس وأعضاء المحكمة الاتحادية العليا ، حيث تضمن الدستور النص فيه على بعض الضمانات للقضاة بشكل عام في عدة مواضع منه، منها ما نصت عليه المادة (88) منه بأن ” القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو شؤون العدالة ” والمادة (97) منه التي نصت على أن ” القضاة غير قابلين للعزل إلا في الحالات التي يحددها القانون ، كما يحدد القانون الأحكام الخاصة بهم وينظم مساءلتهم تأديبياً “.
ال يمكن أن يقوم المجلس النيابي بأدواره ومهامه على أحسن وجه ما لم يكن له نظام داخلي ينظم ويضبط أعماله بكفاية وفعالية، فأول ما يعنى به المجلس النيابي بعد تشكيله وضع القواعد واألساليب واإلجراءات التي ً للدستور، ومن أهم مصادر متمماً تمكنه من القيام بأعماله، ولهذا تعد األنظة الداخلية للمجالس النيابية جزء النظام النيابي.
ان الغاء النصوص المخالفة لأحكام الدستور ليس غاية للقضاء الدستوري وانما هي وسيلة يمكن من خلالها تهذيب وتنقية المنظومة التشريعية من النصوص المعلولة التي يصعب علاجها او تقويمها بالتفسير ، مما حدى بالقاضي الدستوري تحت ظل مسؤوليته القانونية بالعمل الى دخول المنطقة المحضورة لصالح المشرع متسلحا بمنهجه الاجتهادي ، وهو بذلك ليس معتديا او متجاوزا وانما استشعر الخطر المتأتي من تلك المنطقة الخاصة وعمل على التدخل لتقويمها حفاظا على منظومة الحقوق والحريات المكلف برعايتها. ومن ثمرات مناهج الاجتهاد القضائي هو اقرار مبدأ وضوح التشريع ومنحه قيمة دستورية والتوسع في تطبيقاته لتوطين الحماية من الخلل الذي يمكن ان يقع فيه المشرع في مجال الصياغة التشريعية وتقويمها وفق مقاصدها التشريعية.
ان المعنى الحقيقي من ارتباط العدول بمبدأ الامن القانوني، هو ضرورة التزام القاضي الدستوري بتحقيق أكبر قدر من الثبات في استقرار المراكز القانونية عند اصدار للحكم ، والهدف من ذلك اشاعة الأمن والطمانينة، حتى يستطيع اي شخص ان يتصرف باطمئنان في ضوء الاحكام والتشريعات النافذة المطبقة في حينها وترتيب اوضاعهم عليها ، فضلاً عن ذلك ان الاحكام الدستورية تحوز على الحجية المطلقة في مواجهة الكافة، لا حجية نسبية يقتصر اثرها على اطراف الدعوى